الفصل الخامس: نموذج العمل مع مجتمع المنظمة
دليل شامل لاستكشاف المنظمات الاجتماعية، من التكوين والأهداف إلى نماذج العمل وأدوار الأخصائي الاجتماعي.
مقدمة: لماذا ندرس المنظمات؟
تُمارس مهنة الخدمة الاجتماعية، وخاصة طريقة تنظيم المجتمع، من خلال مؤسسات وهيئات متخصصة. هذه المنظمات لم تظهر صدفة، بل نشأت نتيجة لتعقيدات المجتمع الحديث التي لم تعد الأسرة قادرة على مواجهتها بمفردها.
مع ازدياد الاحتياجات والمشكلات، ظهرت المنظمات لتتحمل أعباء الحياة وتعمل على تلبية احتياجات المجتمع، وأصبحت الأداة الرئيسية لإحداث التغيير المخطط والمقصود. هذا الفصل يغوص في أعماق هذه المنظمات لفهم كيفية عملها وكيفية العمل معها بفعالية.
أهداف هذا الدليل (المستوحاة من الفصل):
- فهم ماهية المنظمة وعناصر تكوينها وأهدافها.
- التمييز بين المنظمة كنسق مفتوح أو مغلق.
- التعرف على تصنيفات وتمويل أجهزة تنظيم المجتمع.
- استيعاب "نموذج العمل مع مجتمع المنظمة" وخصائصه وعملياته.
- تحديد المشكلات التي يعالجها النموذج والمهام الأخلاقية للأخصائي الاجتماعي.
أولاً: مفهوم المنظمة
يمكن تعريف المنظمة من خلال الحقائق المشتركة التي تجمعها. فالمنظمة ليست مجرد مبنى، بل هي كيان حي يتكون من:
1. تضم أشخاصاً
هم حجر الأساس لأي منظمة.
2. يتفاعلون مع بعضهم
هناك علاقات وتفاعلات مستمرة بين هؤلاء الأشخاص.
3. تفاعل منظم
هذه التفاعلات يمكن وصفها من خلال بناء أو هيكل تنظيمي.
4. أهداف شخصية
كل شخص يشارك في المنظمة يتوقع أن يساعده ذلك على تحقيق أهدافه الشخصية.
ثانياً: العناصر الأساسية لتكوين منظمة
عندما يفكر الأخصائي الاجتماعي في تكوين منظمة جديدة (مثل جمعية أهلية)، هناك عناصر أساسية يجب أخذها في الاعتبار. هذه العناصر قد لا تتبع تسلسلاً صارماً، بل قد تتداخل حسب الموقف.
ثالثاً: أهداف العمل مع المنظمات
يمكن تقسيم أهداف المنظمات إلى نوعين رئيسيين، وكلاهما ضروري لنجاحها.
أ) الأهداف الرسمية
هي الأغراض العامة للمنظمة التي يُنص عليها في عقد التأسيس والنشرات الرسمية. إنها تمثل الواجهة الرسمية للمنظمة وما تعد بتحقيقه.
ب) الأهداف الإجرائية "العملية"
هي الأهداف التي تساهم في تحقيق أهداف المجتمع ككل. ولكي تحقق المنظمة هذه الأهداف، يجب أن تستخدم استراتيجيات مناسبة وتلبي متطلبات مثل الحصول على أعضاء، وتدريبهم، وتنمية التفاعل، وتقسيم العمل، والحصول على الموارد، وغيرها.
رابعاً: هل المنظمة نسق مفتوح أم مغلق؟
لا يمكن لأي منظمة أن تعيش في عزلة عن بيئتها. النظريات التنظيمية التقليدية كانت تنظر للمنظمة على أنها **نسق مغلق (Closed System)**، يركز على وظائفه الداخلية فقط، وقد ثبت خطأ هذه النظرة.
الصحيح أن المنظمة هي **نسق مفتوح (Open System)**، تتفاعل باستمرار مع البيئة المحيطة بها.
دورة عمل النسق المفتوح
المدخلات
(موارد، أفراد، أموال)
↓
العمليات التحويلية
(أنشطة، برامج)
↓
المخرجات
(خدمات، سلع، أفكار)
↓
التغذية العكسية (Feedback)
←
خامساً: تصنيف أجهزة تنظيم المجتمع
يمكن تصنيف أجهزة تنظيم المجتمع بناءً على عدة أسس لمساعدتنا على فهم طبيعتها وأهدافها المختلفة.
- أجهزة حكومية: تعتمد على الموظفين الحكوميين وتمويلها جزء من الموازنة العامة للدولة.
- أجهزة أهلية (تطوعية): تعتمد على الجهود التطوعية وتمويلها من تبرعات واشتراكات.
- أجهزة متعددة المجالات: تعمل في عدة قطاعات (صحة، تعليم، إلخ).
- أجهزة نوعية: متخصصة في مجال واحد معين (مثل رعاية الأيتام).
- أجهزة تخطيطية: تضع الخطط والاستراتيجيات.
- أجهزة تنسيقية: تنسق الجهود بين المؤسسات المختلفة.
- أجهزة تنفيذية: تقوم بتنفيذ المشاريع والبرامج مباشرة.
- أجهزة تقويمية: تقيّم أداء البرامج والمؤسسات.
- أجهزة مع الوحدات الصغرى (Micro Practice): تهتم بالعمل على مستوى المجتمع المحلي الصغير (مثل حي أو قرية).
- أجهزة مع الوحدات الكبرى (Macro Practice): تهتم بالعمل على المستوى الكبير (قومي أو إقليمي) ويغلب عليها الأهداف التخطيطية.
سادساً وسابعاً: التمويل وشروط منح الإعانات
تعتمد استمرارية المنظمات بشكل كبير على مواردها المالية. إليك أهم مصادر التمويل والشروط التي تضعها الجهات الحكومية (مثل الوزارة) لمنح الإعانات.
مصادر التمويل
-
1
الاشتراكات
من الأعضاء والهيئات والمؤسسات المشاركة في الجهاز.
-
2
الإعانات الحكومية
تقدمها الدولة لدعم نشاط الجهاز وفقاً للقوانين.
-
3
التبرعات والهبات
من الأفراد والهيئات، ويحدد القانون الأساسي ما يُقبل منها.
-
4
وسائل أخرى
مثل بيع المطبوعات وإقامة الحفلات والمعارض.
شروط منح الإعانات
- أن يمضي على تسجيل الجمعية مدة كافية.
- أن يكون لديها رصيد مالي خاص بها في أحد المصارف.
- أن تسير سيراً حسناً وفقاً للوائح والقوانين.
- أن تكون قد نفذت مشروعاً واحداً على الأقل من أهدافها.
- لا يجوز منحها أكثر من إعانتين نقديتين في العام الواحد.
ثامناً وتاسعاً وعاشراً: النموذج ومبادئه
يُعرّف "النموذج" في الخدمة الاجتماعية بأنه نمط من العلاقات نصنعه لتقليد أو توضيح العلاقات القائمة في الواقع. وهو بمثابة مثال أو عينة مختارة.
نموذج العمل مع مجتمع المنظمة
"هو التعامل المهني مع مكونات المنظمة الاجتماعية ومجتمعها الذاتي لمساعدتها على خدمة المواطنين بفاعلية متزايدة."
ببساطة، هذا النموذج يركز على "الداخل" (أعضاء المنظمة والعاملون بها) بهدف تحسين قدرتهم على أداء خدماتهم لـ "الخارج" (العملاء والمجتمع) بشكل أفضل وأكثر إيجابية.
المبادئ المرتبطة بالنموذج
عند تطبيق هذا النموذج، يجب الالتزام بمبادئ الخدمة الاجتماعية الأساسية، وأهمها:
الحادي عشر والثاني عشر: الخصائص والعمليات
خصائص العمل مع مجتمع المنظمة
- التعرف على آراء المستفيدين (التغذية العكسية).
- الاهتمام بالمنظمة الكبيرة كمجتمع داخلي.
- دراسة الصعوبات التي تواجه العمل المهني وحلها.
- وضع علاقة متوازنة بين الجهاز الإداري والمهني.
- تحسين العلاقات والتنسيق بين مختلف الأقسام.
- التأثير على عملية اتخاذ القرار لصالح الأعضاء والمنتفعين.
عمليات النموذج
- صنع واتخاذ القرار: تحليل المشكلة وفهم الحلول.
- ممارسة القوة: استخدام التأثير والإقناع لتحسين الأداء.
- التفاعلات المتبادلة: استثمار الصراعات وتوجيهها بشكل سليم.
- الوعي بأهمية الوقت: الالتزام بالبرنامج الزمني.
- المرونة: جعل الممارسات التنظيمية أكثر مرونة.
الثالث عشر: المشكلات التي يمكن للنموذج أن يتعامل معها
هذا النموذج مصمم خصيصاً للتعامل مع المشكلات التنظيمية الداخلية التي تعيق أداء المنظمة. من أبرز هذه المشكلات:
سيطرة القرارات الإدارية
على العمل المهني دون اعتبار لآراء المهنيين.
العجز في الجهاز الوظيفي
أو نقص في فريق العمل المهني بالمؤسسة.
غياب التكامل والتنسيق
بين أقسام المؤسسة وفريق العمل بها.
إهمال احتياجات العاملين
وعدم الاهتمام بمشكلاتهم واحتياجاتهم.
تعدد الأهداف
مع عدم وجود قيادات مدربة قادرة على تحقيقها.
مشكلات الاتصال
وغموض إجراءات اتخاذ القرار داخل المؤسسة.
الرابع عشر والخامس عشر: الميثاق الأخلاقي ومهام الأخصائي
يتحرك الأخصائي الاجتماعي في إطار هذا النموذج بمسؤوليات أخلاقية واضحة وأدوار مهنية متعددة، كما حددها "شارلز جروسر".
المسؤوليات الأخلاقية:
- التعاون بين التخصصات المختلفة، خاصة ضمن فريق العمل.
- عدم تحقيق مكاسب شخصية من خلال إثارة نزاعات مع زملاء العمل.
- تقديم المشورة بناءً على المعرفة والمهارة والخبرة.
أدوار المنظم الاجتماعي (حسب شارلز جروسر)
1. دور الممكن (Enabler)
يسهل الجهود المحلية ويوجه الأسئلة، ويقدم التشجيع والدعم.
2. دور الوسيط (Mediator)
يساعد العملاء على مواجهة التعقيدات البيروقراطية لتسهيل حصولهم على الخدمة.
3. دور المدافع (Advocate)
يطالب بتحسين الخدمة أو زيادتها عند عدم استجابة النظم لاحتياجات العملاء.
4. دور الثوري (Revolutionary)
يسعى لتغيير النظم الاجتماعية القائمة لصالح الفئات الفقيرة والمحرومة.
اختبر فهمك: أسئلة حول نموذج العمل مع مجتمع المنظمة
هذا الاختبار التفاعلي يساعدك على تقييم مدى استيعابك للمفاهيم الأساسية في الفصل. يتضمن الاختبار 50 سؤالاً متنوعاً.