الفصل السادس مجتمعات

دليل نظريات ونماذج الممارسة في تنظيم المجتمع

الفصل السادس: نظريات ونماذج الممارسة في تنظيم المجتمع

دليل شامل لفهم النظريات، النماذج، وظائفها، تطورها، والتحديات التي تواجهها.

مقدمة: فهم الإطار النظري لتنظيم المجتمع

يعتبر الإطار النظري حجر الزاوية في أي ممارسة مهنية منظمة. وفي مجال تنظيم المجتمع، تلعب النظريات والنماذج دورًا حاسمًا في توجيه جهود الأخصائيين الاجتماعيين، وفهم ديناميكيات المجتمعات، وتصميم تدخلات فعالة. بدون أساس نظري، تصبح الممارسة مجرد محاولة وخطأ، تفتقر إلى التوجيه والقدرة على التنبؤ.

يستعرض هذا الفصل الدراسي، من إعداد أ.م.د/ نهى محمد هلال الشوبري، ماهية النظريات والنماذج في تنظيم المجتمع، ويوضح وظائفها الحيوية، والمبررات التي تدعو إلى بنائها، كما يتتبع تطورها التاريخي وصولًا إلى التحديات المعاصرة التي تواجه بناءها وتطبيقها.

أهداف هذا الدليل (المستوحاة من الفصل):

  • التعرف على المفاهيم الأساسية: النظرية، نظرية الممارسة، والنموذج.
  • فهم الوظائف الحيوية للنظريات العلمية في توجيه الممارسة المهنية.
  • إدراك المبررات المنطقية والتاريخية لأهمية بناء نماذج للممارسة.
  • تتبع المراحل التاريخية لتطور نماذج الممارسة في تنظيم المجتمع.
  • التعرف على أبرز التحديات التي تواجه تطوير نماذج فعالة ومستجيبة للاحتياجات المعاصرة.

أولاً: ماهية نظريات ونماذج الممارسة

لفهم الممارسة المهنية في تنظيم المجتمع، لا بد من تفكيك المصطلحات الأساسية التي تشكل إطارها المعرفي. يوضح هذا القسم الفروق والروابط بين النظرية، نظرية الممارسة، والنموذج.

بشكل عام، النظرية هي "نسق من المفاهيم المترابطة" أو "مجموعة متسقة من القضايا التي تحاول تفسير ظاهرة معينة".

أنواع النظريات في الخدمة الاجتماعية (حسب David Howe):

  • نظريات للخدمة الاجتماعية (Theories for social work): نظريات مستعارة من علوم أخرى تساعدنا في فهم الناس والمواقف (الإطار المرجعي).
  • نظريات خاصة بالخدمة الاجتماعية (Theories of social work): نظريات تشرح طبيعة وأهداف وسمات الخدمة الاجتماعية نفسها.

هي تجميعة منظمة من المفاهيم توضح ما هو معروف عن السلوك، تفاعل الأنساق الاجتماعية، القيم، الأهداف، والوسائل الفنية والمهارات التي تعزز الإجراءات الناجحة والفعالة.

يمكن تصنيفها إلى: نظرية ممارسة عامة (مبادئ عامة) ونظرية ممارسة نوعية (نماذج للتدخل في مواقف محددة).

النموذج هو "تشخيص للواقع" أو "خريطة" تمكن المهنيين من دراسة وفهم وتفسير المواقف المختلفة. يعتبر النموذج بمثابة نظرية ممارسة نوعية تصلح للتعميم في المواقف المتشابهة.

الفرق بين المدخل والنموذج (حسب السنهوري): المدخل (Approach) هو اتجاه علمي أوسع تنبثق منه نماذج (Models) للممارسة.

ثانياً: الوظائف الأساسية للنظريات العلمية

لا تعتبر النظريات مجرد ترف فكري، بل هي أدوات عملية حيوية توجه الممارسة المهنية في تنظيم المجتمع. تتمثل وظائفها الأساسية في النقاط التالية:

توجيه البحث

تلعب دوراً هاماً في اشتقاق الفروض التي توجه الممارسة والبحث التجريبي، مما يسمح باختبار صحتها وتعميمها.

وصف الواقع وتحليله

تقدم إطاراً لوصف الواقع بشكل كفء وحاسم، مما يزيد من إمكانية الاستفادة من هذا الوصف في فهم المواقف.

تنظيم المعرفة

تعمل على تنظيم المعرفة التجريبية في أطر نظرية متماسكة، وتوجه الانتباه نحو الفجوات المعرفية لدراستها.

تفسير المشكلات

تفيد في تفسير المشكلات المختلفة وإيجاد العلاقات بين المتغيرات (مثل العلاقة بين المشاركة والاغتراب).

التنبؤ بالمستقبل

لا تقتصر على التفسير، بل تساعد الممارس على التنبؤ بالنتائج المستقبلية للتدخلات المهنية.

ثالثاً: المبررات النظرية والتاريخية لبناء نماذج للممارسة

إن بناء نماذج للممارسة المهنية ليس ترفاً أكاديمياً، بل هو ضرورة تفرضها طبيعة العمل في تنظيم المجتمع. هناك عدة مبررات جوهرية تؤكد على أهمية وجود هذه النماذج:

  1. الحاجة إلى خريطة إرشادية: يحتاج الممارسون إلى أطر نظرية واضحة (خرائط) تهديهم في عملهم دون الحاجة لانتظار توجيهات قد لا تكون متوفرة دائمًا.
  2. التعامل مع المواقف المتغيرة: يواجه الممارس مواقف جديدة وغير متوقعة باستمرار. النماذج تزوده بالقدرة على التعامل معها بكفاءة بدلاً من الاعتماد على المحاولة والخطأ.
  3. تشكيل وتصميم التدخل المهني: تساعد النماذج في تقدير المواقف بشكل دقيق وتصميم تدخلات مهنية ملائمة، مما يزيد من فعالية الخدمة.
  4. التنبؤ بنتائج التدخل: تمكن النماذج من توقع النتائج المحتملة للتدخلات المختلفة، مما يقلل من الاعتماد على التخمين والانطباعات الشخصية.
  5. تقوية مكانة المهنة: يسمح البناء النظري للنماذج بنقل المعارف والمهارات بأسلوب يمكن اختباره وإثباته، مما يعزز قوة المهنة كعلم.
  6. زيادة ثقة الممارس: توفر النماذج أساسًا علميًا يعتمد عليه الممارس، مما يزيد من ثقته وفاعليته في الممارسة.
  7. التطور التاريخي للممارسة: مع توسع الممارسة لتشمل مجالات وبيئات مختلفة (ريفية، صراعية، تنموية)، أصبح من الضروري بناء نماذج متخصصة تناسب كل سياق.

رابعاً: التطور التاريخي لنماذج الممارسة

لم تظهر نماذج الممارسة في تنظيم المجتمع دفعة واحدة، بل مرت بعملية تطور تاريخية يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل رئيسية، تأثرت بالتجارب الميدانية والكتابات النظرية.

المرحلة الأولى: المرحلة المُبهمة (العشرينيات - أوائل الأربعينيات)

تميزت هذه المرحلة بكونها "باكورة التطور". كانت هناك كتابات نظرية هامة (مثل كتابات إدوارد ليندمان)، لكن لم تكن هناك نماذج تطبيقية واضحة ومتبلورة للممارسة الميدانية، لعدم كفاية الخبرات الميدانية في ذلك الوقت. ساهمت هذه المرحلة في وضع الأساس للمرحلة التالية.

المرحلة الثانية: تكوين الأسس النظرية

في هذه المرحلة، بدأ تكوين أسس نظرية للممارسة الميدانية بفضل تراكم الخبرات الميدانية (خاصة مع منظمات الرعاية الطوعية) والكتابات السابقة. انقسمت هذه المرحلة إلى مراحل فرعية ركزت على:

  • العمل بين الجماعات
  • الخدمات المباشرة
  • الإجراء الاجتماعي

المرحلة الثالثة: بلورة النماذج

نتيجة للتفاعل بين الواقع العملي والكتابات النظرية، أصبح من الممكن تكوين نماذج واضحة. هذه النماذج لم تأت بجديد كليًا، بل كانت بمثابة **تصنيف لأنماط الممارسة** التي تطورت وأصبحت أكثر تعقيدًا. ساعدت هذه النماذج على تحديد عناصر واستراتيجيات وأهداف كل وجه من أوجه ممارسة تنظيم المجتمع.

خامساً: التحديات التي تواجه بناء نظريات ونماذج الممارسة

على الرغم من أهمية النظريات والنماذج وكثرة المحاولات لبنائها، إلا أن هذا المجال يواجه تحديات كبيرة في العصر الحالي. فالمجتمعات تتغير بسرعة واحتياجاتها تزداد تعقيدًا.

الحاجة إلى نماذج بديلة

يقترح الباحثون ضرورة بناء نموذج بديل يتحدى النماذج الحالية، ويتميز بالخصائص التالية:

  • المرونة (Flexibility): يجب أن يكون النموذج مرنًا بما يكفي للتكيف مع خصوصية أي مجتمع أو سياق.
  • التشاركية (Participatory): يجب أن يكون النموذج تشاركيًا، بحيث يشرك أفراد المجتمع في جميع مراحل العمل.
  • موجه نحو العملية (Process-Oriented): يجب أن يركز على عملية التغيير نفسها وليس فقط على النتائج النهائية.

خطوات التطوير المقترحة

للوصول إلى نماذج أفضل، يقترح الباحثون ضرورة:

  1. مراجعة النماذج الحالية أولاً: فحص وتقييم النماذج الموجودة بشكل نقدي.
  2. توفير معايير للتقييم: وضع معايير واضحة لتقييم مدى تطبيقية هذه النماذج.
  3. تقديم نموذج جديد: بعد المراجعة والتقييم، يمكن تقديم نموذج جديد ومناقشة قابليته للتطبيق وجدارته.

اختبر فهمك: أسئلة حول نظريات ونماذج الممارسة

هذا الاختبار التفاعلي يساعدك على تقييم مدى استيعابك للمفاهيم الأساسية التي وردت في الفصل. يتضمن الاختبار 50 سؤالاً متنوعاً بين الاختيار من متعدد والصح والخطأ.

© 2025 جميع الحقوق محفوظة لجروب المتفوقين في الخدمة الإجتماعية.

تم تطوير هذا الدليل التفاعلي لأغراض تعليمية بناءً على محتوى الفصل السادس.

معلومة 4 انفو
بواسطة : معلومة 4 انفو
عن الكاتب عبدالرحمن، مؤلف ومدون يهتم بمجال الصحة النفسية وتحقيق السعادة. يسعى دائمًا لمشاركة أفضل الأساليب والنصائح التي تساعد الأفراد على تحسين حالتهم النفسية والوصول إلى سعادة دائمة. من خلال مدونته "أسرار النجاح في الصحة النفسية وتحقيق السعادة"، يقدم عبدالرحمن مقالات متميزة تستند إلى أبحاث علمية وتجارب شخصية، مما يجعلها مصدرًا موثوقًا للقراء الذين يبحثون عن السعادة والرفاهية النفسية.